الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية أخفقت الترويكا.. واليوم الشعب التونسي في مأزق

نشر في  02 أفريل 2014  (10:49)

بقلم: محمد المنصف بن مراد

كانت أغلب فئات الشعب التونسي تنتظر من حكومة الترويكا الشّروع في وضع حدّ للفساد الاقتصادي وفرض احترام القانون وحرية الصحافة  واستقلال القضاء وعدم تحزيب الإدارة دون رجعة، وكذلك الانطلاق في تنمية الجهات، ولكن لم تفلح النّهضة وحزبا منصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر في تحسين الأوضاع، بل على العكس انتشرت الأسلحة وتمركز الارهابيون وأصبح العنف «ظاهرة طبيعيّة» فتمّ اغتيال الشهداء لطفي نقض ومحمد بالمفتي وشكري بالعيد ومحمد البراهمي وذبح الجنود والأمنيون واشتعلت الأسعار وبدأت الإدارة تندثر وتكدّست الأوساخ في الشوارع وتمتّع البعض بتعويضات نلمس اليوم خطورة تداعياتها.. وبعد هذا الفشل استقالت حكومة السيد حمادي الجبالي ثمّ علي لعريض وتغيّرت التجاذبات والتحالفات بينالأحزاب في انتظار الانتخابات التشريعيّة والرئاسية علما أنّ سياسة الترويكا قد تكون سببا في عدم تسديد الجرايات بعد أشهر لأنّ الميزانية تحتاج إلى 5000 مليار من مليماتنا!
وبالنسبة إلى النهضة فقد اعترفت بالمشاكل التي مرّت بها بلادنا وبدأ خطابها يتغيّر أو يلين فتخلّت عن مشروع الخلافة السادسة وأصبحت أكثر «تونسية» من ذي قبل وبعد ان اكتشفت انه ليس من السهل قيادة بلاد وهي (أي النهضة) تفتقر للكفاءات نظرا الى أنّها كانت تعمل في كنف السرية في الماضي، وليس بإمكانها أن تهيّئ وزيرا في أسابيع أو أشهر قليلة.. ثم اكتشف حزب النهضة ـ بعد إقالة مرسي في مصر ـ انّ التحالفات مع الديمقراطيين والوسطين الفاعلين أفضل بكثير من مواصلة تحالفها مع التكتّل وحزب المؤتمر اللذين افتقدا شعبيّتهما المحدودة بعد فشلهما في تصريف شؤون البلاد.. ولعلّ مطلب أيّ عاقل، هو أن تتخلّى النهضة ـ كحزب سياسي ـ عن ركائزها العقائديّة والدّعوية لأنّ شعبنا يلفظ بحكم طبيعته الوسطيّة أيّ حزب تيوقراطي! ولو تخلّت النهضة نهائيا عن صبغتها العقائديّة وعن المواقف المتعصّبة مثل مواقف الحبيب اللوز والصادق شورو ورضا مراد وعلي لعريض والصّحبي عتيق وغيرهم من المتشدّدين الذين يتنكّرون لتاريخ تونس الذي يعود الى 3000 سنة، فستضمن بقاءها في الحلبة السياسية.. وكم أتمنّى اسلاما قويّا ومتسامحا وحاميا للحرّيات والأخلاق على أساس الإقناع، لا التكفير والقمع والتشبّث بتطبيق الشّريعة! فالاسلام الذي نريده سيخدم تونس ويغيّر الصورة السلبية التي نشرها الارهاب والتشدّد  عن ديننا!
فإمّا أن تستلهم النهضة برنامجها من الأخلاق الاسلاميّة كحب الوطن والعمل والعلم والتسامح والتآزر وكلّ المبادئ التي لا تتضمّن عنفا أو محاكمات أو إقصاء، والاّ ظلّت حركة دينية معزولة عن أغلب التونسيين ونخبهم خاصّة في القرن21..! ولعلّ ما يثبت اليوم تغيّر الخطاب النهضوي هو أنّ السيد راشد الغنوشي أكّد في تصريح له أنّه يرفض الاقصاء السياسي الجماعي واستعداد حزبه للتعامل مع الأحزاب الديمقراطية التي ستكون لها تمثيليّة ثابتة من خلال الانتخابات القادمة. انّه لا مناص للنهضة من ان تغير نفسها مصداقا لقوله تعالى:«انّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» لتثبت تفاعلها مع حركيّة التاريخ والاّ بقيت كالديناصور في عالم متطوّر.. فكفانا نوايا و«مشاريع» وخطبا تيوقراطية، وكفانا حزبا بلا رؤية اقتصاديّة ولا ثقافيّة وهو في قطيعة تامّة مع النّخب والنّساء وأغلب فئات الشّباب!
أمّا حزب المؤتمر الذي أسّسه المنصف المرزوقي فقد فشل  ـ من خلال رئيس الجمهورية المؤقت ووزرائه ـ على جميع الأصعدة، إذ كان أشبه بالحزب المستنسخ من حركة النهضة مع مواقف للمنصف المرزوقي غريبة بما أنّها تدعو الى المشانق السياسيّة في حين كان المنطق يفرض أن يكون الحقوقي السابق رئيس كل التونسيين والدّاعي الى الحوار والتسامح فضلا عن عدم التدخّل في الشؤون الدّاخلية لبعض البلدان العربية..  وعلى العموم لم يبق من هذا الحزب سوى  التصعيد والتشنّج وأحسن دليل على ذلك مطالبة المؤتمر بالإقصاء السياسي دون مقاضاة،  وذلك خوفا من المنافسة في الانتخابات المقبلة.. لقد فشل رئيس الجمهورية ومعظم وزراء المؤتمر في مهامّهم الحكوميّة فعمدوا الى التصعيد في محاولة لاستعادة ولو نزر قليل من شعبيّتهم المهدورة.. إنّ تونس لا تحتاج الى المشانق بل الى الأمن والعدل والنموّ الاقتصادي، طبعا مع محاسبة من جرّمتهم المحاكم دون سواها! فالشعب التونسي فقط هو من سيقصي ـ وعبر الانتخابات ـ الفاسدين من النظام السابق وتونس لا تحتاج إلى ما يسمّيه البعض «تحصين الثورة» والمقصود تحصين مصالحهم وكراسيهم، لا مصالح تونس..
أمّا التكتّل فقد مرّ بفترات مختلفة فبعد أن كان حزبا ديمقراطيّا اجتماعيّا قدّم من خلال الترويكا صورة سلبية بمساندة النهضة في البداية وبرز رئيسه مصطفى بن جعفر كحليف للحزب الحاكم، لكن منذ اغتيال الشّهيد شكري بلعيد غيّر من موقفه عندما رفض رئيس المجلس التأسيسي الانصياع لأوامر المتشدّدين وكان من أنصار تحاور الأحزاب الحاكمة مع الرّباعي الراعي للحوار كما كانت له مواقف إيجابيّة لكن اليوم وبعد رفض الاقصاء السياسي، ها انّه يسانده وذلك خوفا من المنافسة والتراجع المحتمل لحزبه في الانتخابات المقبلة.. فهذا التغيير في الموقف لن يساعده على ترميم شعبيّة تتقلّص وإن كانت المقارنة لا تجوز بين بن جعفر الذي له إيجابيات سياسية والمرزوقي الذي تعدّدت عثراته ومواقفه الغريبة والمتزمّتة. وما يعاب أيضا على التكتّل هو اعداد ميزانية من قبل وزير الماليّة الأسبق السيد الفخفاخ تعتمد على المديونيّة المفرطة والضرائب المجحفة حتى أصبحنا نخشى عدم خلاص الأجور.. فعوض أن يضغط على مصاريف الدولة وميزانيات الوزارات، حافظ عليها ودفع البلاد نحو المجهول!
أمّا حركة وفاء وبعض الأحزاب الأخرى فهي تدير ظهرها للطبيعة الوسطية للتونسيين وكل خطبها متشدّدة وعنيفة واقصائيّة وكأنّها تمتلك الحقيقة المطلقة، وهنا لابدّ من التذكير بأنّ التحالف الديمقراطي أصبح حليف حركة وفاء بدعمه للاقصاء السياسي الجماعي حتى يحافظ على «كراسيه» داخل المجلس!
إنّ كل هذه الأحزاب السياسيةبحاجة الى مراجعة عميقة وربما الى قيادات جديدة تحبّ تونس وتونس دون سواها وتؤمن بالتداول على السلطة وتقطع نهائيّا مع البرامج التيوقراطية والمشانق السياسيّة.. ومن لم يع ذلك، فسيلفظه الشعب والتاريخ...